تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  السادس: لما فعلت ذلك فَلِمَ سلطني على أولاده، ومكنني من إغوائهم وإضلالهم؟
  السابع: ثم لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك فلم أمهلني ومعلوم أن العالم لو كان خالياً عن الشر لكان ذلك خيراً؟
  قال شارح الأناجيل: فأوحى الله تعالى إليه من سرادقات الجلال والكبرياء: يا إبليس، إنك ما عرفتني ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض علي في شيء من أفعالي، فإني أنا الله لا إله إلا أنا، لا أُسْأَل عما أفعل.
  قال الرازي: واعلم أنه لو اجتمع الأولون والآخرون من الخلائق وحكموا بتحسين العقل وبقبحه لم يجدوا عن هذه الشبهات مخلصاً، وكان الكل لازماً قال: إذا جئنا بذلك الجواب الذي ذكره الله زالت الشبهات، واندفعت الاعتراضات، وكيف لا وكما أنه سبحانه واجب الوجود في ذاته واجب الوجود في صفاته فهو مستغن في فاعليته عن المؤثرات والمرجحات؛ إذ لو افتقر لكان فقيراً لا غنيا، فهو سبحانه مقطع الحاجات، ومنتهى الرغبات، ومن عنده نيل الطلبات، وإذا كان كذلك لم تتطرق اللمية إلى أفعاله، ولم يتوجه الاعتراض على خالقيته، وما أحسن ما قال بعضهم: جل جناب الجلال عن أن يوازن بميزان الاعتزال، فهذا القائل أجرى قوله تعالى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ٣٤}[البقرة] على ظاهره وقال: إنه كان كافراً منافقاً منذ كان(١).
(١) تفسير الرازي، ج ١ ص (٤٥١) طبعة قديمة.