تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  قلنا: مسلم أنه يقدر على ذلك، لكنه لا يحسن لما مر من أنه لا يحسن الابتداء بالثواب.
  فإن قيل: إذا كان التكليف تفضلاً لأنه تعريض على الخير فهلا تفضل علينا بما يحسن الابتداء به من النعم، وقد قلتم: إن من النعم ما يحسن الابتداء به وهو التفضل، ولو فعل ذلك لكان أرفق بالمنعم عليه الخطر التكليف، ولكون التفضل متيقناً حصوله دون الثواب لتوقفه على القيام بما كلف به.
  قيل: التكليف تفضل، والابتداء بالنعم التي يصح الابتداء بها تفضل، وليس لنا أن نقترح على الله اختيار تفضل على تفضل، بل أيهما فعل فهو محسن، على أن التفضل بالتكليف أبلغ، لتأديته إلى منافع عظيمة لا تنال إلا به.
  وقولهم: إن التفضل متيقن غير مسلم؛ لأنه غير واجب فمن أين يتيقن؟
  وقولهم: بخطر التكليف باطل مع التمكين والدلالة وإزاحة العلل؛ وأيضاً لو ابتدأهم بالإحسان لم يكن لإحسانه قدر كما قيل: الإحسان بالمجان لا يعرف له قدر وامتنان، ولو لم تكن النار وأهلها لما عرف أهل الجنة قدرها؛ لأن بضدها تتبين الأشياء، وهذا وجه مرجح لحسن توقف حصول النفع على التكليف والمشقة على الابتداء به.
  والجواب عن الثالث: أنه زيادة في التكليف مضمومة إلى أصله.
  والجواب عن الرابع: بأن عقاب العاصي حسن، كما مر في الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧].