تفسير قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 35}
  فإن قيل: وأي حجة في فعل العرب ولم يجيء الإسلام إلا بهدم قواعدهم ومخالفة مذاهبهم؟
  قيل: ليس الحجة في فعلهم من حيث أنه فعلهم، بل من حيث أن النبي ÷ قررهم على ذلك، والمعلوم أن الشرع قد قررهم على أشياء مما كانوا عليه من العادات والمعاملات، كتقريره إياهم على تلقيح النخل، وعلى الضرب في الأرض للتجارة، وعلى إنشاء الشعر المباح، وغير ذلك كثير، ولا يقال: إنما يفيد التقرير مع علمه بالفعل؛ لأنا نقول: إن الله تعالى عالم بما يفعلون في زمن مشرع الشرائع ونزول الوحي، فإقرارهم عليه دليل على جوازه والإذن فيه؛ إذ لو كان قبيحاً لما جاز السكوت عنه، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣] وفي الحديث: «ما تركت شيئاً يقربكم من الجنة إلا وقد دللتكم عليه، ولا شيئاً يباعدكم من النار إلا وقد حدثتكم عنه» أو كما قال. وقد احتج جابر بتقرير الرب جل وعلا في زمن الوحي كقوله: كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن.
  واحتج به أيضاً أمير المؤمنين # على عمر، لما هم بأخذ مال الكعبة، فقال #: «إن القرآن نزل والأموال أربعة» ... إلى أن قال: «وكان حلي الكعبة فيها يومئذ، فتركه الله على حاله، ولم يتركه نسيانا، ولم يخف عليه مكانه، فأقره حيث أقره الله ورسوله» فقال له عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بحاله. رواه في (النهج).