مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 35}

صفحة 2985 - الجزء 5

  وفي مفردات الراغب: قال بعض الحكماء: الظلم ثلاثة:

  الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك، والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣}⁣[لقمان] وإياه قصد بقوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ١٨}⁣[هود] {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٣١}⁣[الإنسان] في آي كثيرة، وقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ}⁣[الزمر: ٣٢] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}⁣[الأنعام: ٢١].

  والثاني: ظلم بينه وبين الناس وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ...}. إلى قوله: {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ٤٠}⁣[الشورى] وقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}⁣[الشورى: ٤٢] وبقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا}⁣[الإسراء: ٣٣].

  والثالث: ظلم بينه وبين نفسه وإياه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}⁣[فاطر: ٣٢] وقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي}⁣[النمل: ٤٤] {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}⁣[النساء: ٦٤]. وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم مبتدئ بنفسه في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٣٣}⁣[النحل] {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٥٧}⁣[البقرة].

  قلت: وهذا كالشرح لكلام أمير المؤمنين #. ومجموع ما ذكرنا يدل على صحة حمل ظلم آدم وحواء @ على الذنب الصغير.

  فإن قيل: ظلمهما أنفسهما يحتمل أن يكون بارتكاب الكبيرة، وأن يكون بارتكاب الصغيرة، ولا دليل على تعيين أحدهما فحمله على الصغيرة تحكم.