تفسير قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 35}
  وفي مفردات الراغب: قال بعض الحكماء: الظلم ثلاثة:
  الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك، والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣}[لقمان] وإياه قصد بقوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ١٨}[هود] {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٣١}[الإنسان] في آي كثيرة، وقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ}[الزمر: ٣٢] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الأنعام: ٢١].
  والثاني: ظلم بينه وبين الناس وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ...}. إلى قوله: {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ٤٠}[الشورى] وقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}[الشورى: ٤٢] وبقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا}[الإسراء: ٣٣].
  والثالث: ظلم بينه وبين نفسه وإياه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}[فاطر: ٣٢] وقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي}[النمل: ٤٤] {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[النساء: ٦٤]. وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم مبتدئ بنفسه في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٣٣}[النحل] {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٥٧}[البقرة].
  قلت: وهذا كالشرح لكلام أمير المؤمنين #. ومجموع ما ذكرنا يدل على صحة حمل ظلم آدم وحواء @ على الذنب الصغير.
  فإن قيل: ظلمهما أنفسهما يحتمل أن يكون بارتكاب الكبيرة، وأن يكون بارتكاب الصغيرة، ولا دليل على تعيين أحدهما فحمله على الصغيرة تحكم.