تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}
  قبل البعثة؛ إذ لا دلالة للمعجز على امتناعها منهم حينئذٍ، ولا حكم للعقل على امتناعها دليل سمعي. ونسب الإمام المهدي هذا القول إلى الحشوية، والكرامية، وأبي الهذيل، والأشعرية، والكلابية، ورواه الرازي عن أبي علي، وقال الإمام المهدي: بل هم معصومون منها، واختاره في (الفصول) وقال به السيد محمد بن عز الدين المفتي، وهو قول جمهور المعتزلة، واحتجوا بأن ارتكابها يوجب النفرة عمن ارتكبها وإن تاب؛ لأنها تسقط المرتبة ويسترذل فاعلها، وقد مر أنه لا يحسن من الله بعثة من يسترذله الناس ويتهاونون بأمره، قال الإمام المهدي: ولا شك في تهاون الناس بمن يرتكب المعاصي ولو قبل بعثته، وقد تهاون فرعون بأمر موسى للثغة كانت بلسانه وفقره؛ وأيضاً، المقصود من النبوة أن يقبل الناس منه ما جاء به من عند الله ومن كان معروفاً عندهم بارتكاب الكبائر، أو جوزوا عليه ذلك فإنهم يكونون عن القبول منه أبعد، ولهذا فإن الخطيب لو بات يزني ويشرب الخمر ثم أصبح يعظ الناس ويدعوهم إلى الطاعة لم يكن لوعظه تأثير، ولا لدعائه إجابة.
  قال القرشي: ولا فرق بين أن يقع ذلك قبل البعثة أو بعدها، فإن الناس إلى القبول ممن لم يتدنس بالمعاصي أقرب منهم إلى القبول ممن يتعاطاها وإن كان قد تاب، لا شك في ذلك.
  هذا، وأما قول الخصم: إنه لا دلالة للمعجز على امتناعها قبل البعثة فمسلم، ولم نستند إلى ذلك.