المسألة الثانية [دلالة الخطاب في الآية]
  وهو حكم يعم جميع الناس و {اهْبِطُوا} قيل: أمر تكليف لا عقوبة، واختاره الرازي وأبو حيان؛ لأن فيه مشقة شديدة بسبب إخراجهما مما كانا فيه من الجنة إلى مكان لا تنال فيه المعيشة إلا بالمشقة؛ ولأن التشديد في التكليف يكون سبباً للثواب العظيم، فكيف يكون عقوبة، لا يقال الحدود وكثير من الكفارات عقوبات، وإن كانت من باب التكاليف؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الحدود تكليف على المحدود، إذ هي فعل غيره، فلهذا جاز أن تكون عقوبة إذا كان المحدود مصراً.
  وأما الكفارة فإنما يقال في بعضها: إنها عقوبة لأنها لا تكون إلا مع المآثم، وأما أنها تكون عقوبة مع كونها تعريضات للثواب فلا، وكذلك الإهباط لا يكون عقوبة مع كونه يترتب عليه الثواب العظيم.
  قال النيسابوري: ويمكن أن يقال: نفس الإهباط عقوبة لا ثواب عليه، وإنما الثواب على حسب العمل بعد ذلك.
  وقال القرطبي: لم يكن الإهباط عقوبة؛ لأنه أهبط بعد التوبة وإنما أهبطه تأديباً وتغليظاً للمحنة، قال: والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة في ذلك. وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم، ويترتب على ذلك ثوابهم وعقابهم، فكانت تلك الأكلة سبب الإهباط، وقد قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠].
  قلت: في كلام أئمة العدل ما يدل على أن الإهباط عقوبة،