مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية في التوبة

صفحة 3085 - الجزء 5

  قلت: وعلى هذا الإطلاق فلا يصح دعوى الاتفاق الذي ذكره في (المنهاج).

  احتج الأولون بوجوه:

  أحدها: أن التوبة على القبيح يجب أن تكون ندماً عليه لقبحه، وعزماً على أن لا يعود لمثله، وإذا كان كذلك لم تصح التوبة من قبيح مع الإصرار على آخره لما تقرر في العقول من أن من ترك فعلاً لعلة فإنه يجب أن يترك ما ساواه في تلك العلة؛ ألا ترى أنه لا يصح أن يترك سلوك طريق لأن فيها سبعاً ثم لا يترك أخرى فيها سبع آخر؛ إذ لو ترك والحال هذه البطل كون العلة للترك وجود السبع، فكذلك إذا تاب عن القبيح لقبحه مع الإصرار على قبيح آخر علمنا أنه ما تركه لقبحه.

  فإن قيل: أليس أن أحدنا قد يفعل فعلاً لوجه ولا يجب أن يفعل كل ما ساواه في ذلك الوجه، فهلا جاز مثله في الترك؟

  قيل: لأنه لا يصح قياس أحدهما على الآخر؛ إذ لكل منهما حكم مقرر في العقل يخصه. فكيف يصح القياس، يوضحه ما من فيمن ترك سلوك طريق لعلة، فإنه مقرر في عقل كل عاقل أن يجب ترك سلوك طريق مساوية لها في تلك العلة، وإلا علم أنه لم يترك لتلك العلة، وكذلك قد تقرر في العقول أنه من تفضل على غيره بدرهم لأنه حسن لم يجب عليه أن يتفضل عليه بجميع دراهمه لهذا الوجه، فصح أن بينهما فرقاً.