مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3093 - الجزء 5

  من الصارف؛ لأنا نقول: إذا كان متيقناً للعقاب علم أن أقله كأشده.

  في كون لذة المشتهى لا تقابله، فقد ورد أن أقل أهل النار عقاباً من له نعلان يغلي منهما دماغه، فالأخف كالأغلظ في ذلك.

  قالوا: التائب يجوز أن ينصرف عن الذنب لقبحه ولعظمه، أو لقبحه وكثرة الزواجر عنه، أو لقبحه وكونه مكملاً لذنوب كثيرة، وإذا كان كذلك جاز أن يندم على بعض القبائح لقبحه ولهذه الصوارف، ولا يندم على ما ساواه في القبح فقط، وصار كمن يأكل طعاماً لشهوة شديدة، فإنه لا يجب أن يأكل طعاماً لشهوة قليلة، وإن اشتركا في القبح، وهذه الحجة ذكرها ابن الملاحمي؛ قال: ويوضحه إجماع الأمة على أن اليهودي إذا تاب عن اليهودية مع إصراره على غصب درهم صحت توبته، وتجري عليه أحكام المسلمين؛ وليس ذلك إلا لعدم المساواة في القبح، مع أنهما مشتركان⁣(⁣١) في أصله.

  قلنا: لا نسلم أن توبة من ندم على القبيح لقبحه ولأحد الصوارف التي ذكرتم صحيحة، بل لا بد من الندم عليه لقبحه فقط؛ لأن القبح هو سبب العقاب والعقاب سبب التوبة، فلا حاجة إلى الزيادة.

  قوله: ويوضحه إجماع الأمة ... إلخ هذا التوضيح يورده أبو علي على جهة الاحتجاج به استقلالاً، وإلزام الجمهور بما يلتزمون خلافه؛ وتقرير احتجاجه أن التوبة لو لم تصح من ذنب دون ذنب للزم أن لا تصح توبة اليهودي مع إصراره على غصب درهم، فيبقى


(١) أي اليهودية وغصب الدرهم. تمت مؤلف.