المسألة الثانية في التوبة
  وماهيتها، فإذا لم يحصلا وجب انتفاؤها، ثم لها بعد ذلك شروط تختلف باختلاف المعاصي؛ لأن الواجب على العاصي بذل الجهد في تلافي ما فرط منه حتى يصير في الحكم كأنه لم يأت بالمعصية، والمعاصي مختلفة، منها ما يكفي في التخلص منها حصول ماهية التوبة، وهي الندم والعزم المذكوران، ومنها ما لا يتخلص منها إلا أن يأتي معهما بأمر زائد إن لم يأت به لم يصدق عليه أنه بذل جهده في التلافي، ونحن نأتي من التفاصيل في هذا الموضع بما يكون دليلاً على غيره، ونكل الاستقصاء إلى بسائط الكتب، وإلى ما سيأتي في أثناء هذا الكتاب إن شاء الله من التفاصيل، واستكمال الاستدلال عليها.
  فنقول:
  لا يخلو حال التائب من أن تكون المعصية بينه وبين الله تعالى أو بينه وبين الآدميين، فإن كانت بينه وبين الله تعالى فلا يخلو إما أن تكون من باب الاعتقاد، أو من باب الأفعال والتروك، إن كان الأول كفاه الندم والعزم على أن لا يعود، وذلك كالجهل بالله وبما يجب له من الصفات، أو ينسب إليه ما لا يجوز عليه من ظلم العباد، والرضا بالفساد، ونحو ذلك من المسائل الاعتقادية، وإنما يكفيه ذلك إن لم يكن قد اتبعه فيه أحد، أو كان قد أثبته في مصنفاته، فإن كان كذلك وجب عليه إظهار توبته اليرجع من قد اتبعه، ويبالغ في إظهار بطلان ما وقع في مصنفاته ونقضه، سيما إذا كان قد دعا أحداً إلى ذلك الضلال، وإذا كان قد دعا جماعة يشق حصرهم واجتماعهم وجب عليه إظهار بطلان إضلاله في موضع يغلب على ظنه أو يعلم أنه