تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون 40}
  وصح وصف ذلك الوجوب بالعهد لأنه يجب الوفاء به، فكان أوكد من اليمين والنذر.
  قال: وعند أصحابنا أنه لا يجب على الله شيء، والآية تدل على ذلك؛ لأنه تعالى لما رتب الأمر بالوفاء على ذكر النعم دل على أن تلك النعم السالفة توجب عهد العبودية، وإذا كان ذلك واجباً بسبب النعم السالفة فأداء الواجب لا يكون سبباً لواجب آخر. واختار أحد تأويلين:
  أحدهما: أنه لما وعد بالثواب، وكل ما وعد به استحال أن لا يوجد، لئلا ينقلب خبره جل وعلا كذباً، فكان واجب الوقوع لذلك فسمي عهداً؛ لأنه أكد من اليمين.
  وثانيهما: أنه من باب المشاكلة؛ وذلك أن يقال: العهد الأمر، والعبد يجوز أن يكون مأموراً: لأن الله تعالى لا يجوز عليه ذلك؛ لكنه جرى على مشاكلة اللفظ، كقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢]. ولقائل أن يقول: قد ثبت أن المراد بالعهد ما أوجبه الله عليهم من أداء الفرائض واجتناب المعاصي على العموم، أوبيان أمر نبينا ÷ وإذا كان ذلك كذلك فالواجب حمل الكلام على ما يلتئم معه النظم، ويتفق المعنى، وليس إلا ما ذكره المعتزلة؛ لأن المعنى: أدوا ما يجب عليكم كاملاً أعطِكم ما يجب لكم تاماً، وقد مر في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}[الفاتحة: ٢] الدليل على جواز إطلاق الواجب على الله تعالى.
  وأما قوله: إن أداء الواجب لا يكون سبباً لواجب آخر فقد مر جوابه