مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون 41}

صفحة 3253 - الجزء 5

  تحريم جعله وسيلة إلى الدنيا، ومن أخذ الأجرة على تعليمه فقد جعله وسيلة إليها، واستعمل آلة الدين للدنيا وبهذا يبطل قول ابن حزم، إنه لم يأت في النهي عن ذلك نص، ولا حجة لمن أجاز ذلك إلا حديث: «أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» وحديث الواهبة نفسها.

  قلنا: هذان الحديثان قد تقدم الكلام عليهما، وأوضحنا أن حديث: «أحق ما أخذتم عليه أجراً» محمول على ما ليس بواجب ولا محظور، كما يشعر به سببه، وأن حديث الواهبة نفسها محمول على التكرمة، لقيام الدليل على منع أخذ العوض على تعليم كتاب الله تعالى.

  فإن قيل: ما ذكرتموه من الأخبار إنما يدل على تحريم طلبه مقصوداً به الدنيا، وهو خارج عن محل النزاع؛ إذ النزاع في أخذ العوض على تعليمه.

  قلنا: الآية ظاهرة فيما ذهبنا إليه وكذلك حديث: «من طلب الدنيا بعمل الآخرة» وحديث ابن عباس: «علماء هذه رجلان ...» إلخ، ونحوهما.

  وأما الأحاديث التي علق الذم والتحريم فيها بالطلب مراداً به الدنيا فوجه الاستدلال بها أنها تتناول من قصد بطلبه أنه يعلم بالأجرة، وإذا كانت متناولة له وجب أن تكون الأجرة محرمة، وإلا لما جاز الوعيد عليها.

  فإن قيل: هذه الأدلة إنما تدل على تحريم أخذ العوض على التعليم حيث قصد بتعليمه التوصل إلى العوض، فأما إذا لم يقصد ذلك فلا وجه لتحريم ما أخذه، ولا تقتضيه هذه الأدلة.