المسألة الخامسة [دلالة الآية على أخذ العوض على الفتيا والقضاء]
  وأما الراشي وهو الدافع للمال فإن كان متوصلاً به إلى باطل تناوله اللعن، وكان عاصياً لعموم الأدلة، ولا أعلم في ذلك خلافاً.
  وفي الشفاء: من أعطى مالاً ليتوصل به إلى باطل فهو حرام، والمعطي والآخذ مستحقان للنار وإن كان متوصلاً به إلى نيل حق أو دفع باطل فقد اختلف في ذلك.
  فقال المنصور بالله والإمام يحيى، وأبو جعفر، ومالك، وبعض أصحاب الشافعي: إن طلب حقاً مجمعاً عليه جاز، إن كان لا يمكن التوصل إليه إلا بذلك، كما يجوز للتجار والمترددين في الطرقات دفع المال لدفع الضرر عن أنفسهم وأموالهم، ولا يمنع ذلك كونه بصورة المحظور، فإن له أن يتوصل إلى أخذ ماله من الغاصب ونحوه بالتلصص والقهر، وإن كان بصورة المحظور، وإن طلب حقاً مختلفاً فيه لم يجز، بل هو كالباطل؛ إذ لا تأثير لحكمه، وظاهر ما ذكره الأمير الحسين في (الشفاء) أنه يجوز للمعطي الإعطاء بلا فرق بين أن يكون الحق مجعماً عليه أو مختلفاً فيه، إن كان لا يمكنه التوصل إلا بذلك؛ لأنه قال: فأما إن أعطى بالضرورة جاز له ولم يجز للآخذ، بل يكون الآخذ في النار.
  وبه قال ابن حزم، وغيره. قال في (المحلى): فأما من منع حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي: ليدفع عن نفسه الظلم، وأما الآخذ فآثم. ونحوه في كتاب (الزواجر) لابن حجر الهيثمي، قال: لاضطراره - يعني المعطي - إلى التوصل إلى حقه بأي طريق