تفسير قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون 41}
  وفيما ذكرناه كفاية في إثبات الدلالة على تحريم الهدية على الحاكم، وفي حكمه سائر ذوي الولايات لعموم بعض هذه الأخبار.
  قال بعض العلماء: والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة؛ لأن المهدي إذا لم يكن معتاداً للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقوي به على باطله، أو التوصل لهديته له إلى حقه، والكل حرام(١). كما تقدم، وأقل الأحوال أن يكون طالباً لقربة من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه، ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه، أو الأمن من مطالبتهم له، فيحتشمه من له حق عليه، ويخافه من لا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تؤول إلى ما تؤول إليه الرشوة؛ فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء فإن للإحسان تأثيراً في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه يورث الميل عن الحق عند المخاصمة بينه وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك، ويظن أنه لم يخرج عن الصواب لما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادة على هذا.
  قلت: ويدل على ما ذكره من تأثير الإحسان في ميل النفس إلى المحسن ما رواه في الجامع الصغير عن النبي ÷ أنه قال: «الهدية تذهب بالسمع والقلب» ونسبه إلى الطبراني في الكبير من حديث
(١) يعني على القاضي؛ لأنه في مقابلة واجب أو محظور. تمت مؤلف.