تفسير قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون 41}
  أن يأخذ على القضاء رزقا. وفيه أيضا عن علي #: (من أخذ على حكمه شيئاً فذلك السحت).
  فهذا ما قد تقدم في تحريم أخذ العوض على تعليم كتاب الله، وتبليغ أحكام الله، وذم من جعل العلم شبكة يصطاد بها أموال الناس، واستعمل آلة الدين للدنيا - دليل صريح قاطع على تحريم ما يفعله قضاة زماننا، من جعلهم القضاء بين الملأ وسيلة إلى جمع الدنيا، وأكل أموال الناس بلا حشمة ولا حياء، بل قد صارت أجرة الحاكم من أعظم الحقوق عندهم. لا يقبل فيها عذر، ولا ينظر فيها معسر، ولا يبالون بما لحقهم من الشتم والسب حتى أن المتخاصمين ربما تهدد أحدهما صاحبه بأنه سيوصله إلى الحاكم، ومرامه بذلك أنه إذا وصل عند الحاكم لا بد أن يغرم أجرة الحاكم؛ ومن العجب أنه إذا تشاجر الخصمان في دين فتبين إعسار من عليه الدين حكم الحاكم بإنظاره.
  وأما أجرته فلا يتناولها حكمه، بل لا بد من تعجيلها، وإلا حبسه وآذاه وعلى الجملة، إن قضاة زماننا سباع ضارية، وذئاب عاوية، وهذا أمر ظاهر مشهور، فإنا لله وإنا إليه راجعون وما أحسن ما قال القائل شعراً:
  قضاة زماننا صاروا لصوصاً ... عموماً في القضايا لا خصوصا
  يرون الحل أموال اليتامى ... كأنهم رووا فيها نصوصا
  ونخشى منهم إن سالمونا ... يحلوا من خواتمنا الفصوصا
  ومع ذلك إن كثيراً منهم جهال لا يعرفون التقليد، ولا يحققون فروع المذهب، وهذه طامة كبرى ويتصل بذلك مصيبة عظيمة،