المسألة الثانية [الصلاة والزكاة]
  الواضع لكل ما يدب. فإنه يجوز اختيار نقله عن ذلك ووضعه على عين مخصوصة بحسب الاختيار، ولا حجر على الواضع.
  هذا وأما المخالفون فاختلف تعليلهم، فأما عباد ومن وافقه فاحتجوا بما مر لهم من أن دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية، حاصلة بطبع الألفاظ، فكل اسم دل على معين فإنه لا يصح أن يدل على غيره سواء في ذلك النقل والارتجال، لأنه يؤدي إلى قلب الحقائق، وقد أبطلنا مقالتهم في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ}[البقرة: ٣١] ونزيده هنا تأكيدًا بأنها لو كانت ذاتية لم يصح أن يدل اللفظ على معنيين متضادين، وقد دل نحو قروء، وجون، وكالقانع اسم للسائل، والمتعفف، والناهل اسم للضمآن، ولمن ارتوى من الماء، والتعزير اسم للتعظيم والإهانة.
  وأما الرازي فاحتج بأن الله تعالى خاطب العرب بما يعقلون، فلو خاطبهم بغيره كان كخطاب العربي بالزنجية، وذلك لا يجوز عليه تعالى؛ لما فيه من الإلغاز وعدم البيان.
  واحتج أيضًا بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم: ٤] وقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ١٩٥}[الشعراء] والوضع الشرعي ليس بعربي، ولا بلسان قومه قال: ولأن أكثر الألفاظ دورانًا على ألسنة المسلمين لفظة الإسلام والإيمان، ولو نقلا لوجب أن يبين الله تعالى ذلك بيانًا ظاهرًا، ولو بينه لاشترك الناس في العلم به، كما اشتركوا في العلم بالفرائض التي وقع النص عليها.