تفسير قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين 43}
  وهي أن صيام الدهر بنية قضاء يوم من رمضان لا يسقطه عنه، وتدفع ما قيل فيه من الاحتمالات والتأويلات الباردة. كما قيل: إن معناه أنه لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النافلة المشار إليه بقوله: لم يقضه صيام الدهر، وقول آخرين: إن معناه المبالغة والتشديد.
  وقال ابن المنير: معناه أن القضاء لا يقوم مقام الأداء ولو صام عوض اليوم دهرًا، وحاصله أن للصوم وصفًا خاصًا به وهو الكمال، وهذا هو الذي نفى حصوله بالقضاء يعني أن كمال فضيلة الأداء لا تحصل بالقضاء، إذ لا سبيل إلى اشتراك القضاء والأداء في كمال الفضيلة، ووصف عام وهو المنحط عن كمال الأداء. ولا يخفى ما في هذه التأويلات من التكلف الذي لا ملجئ إليه، لا يقال: بل الملجئ إليه أنها لم تعهد عبادة واجبة مؤقتة لا تقبل القضاء، إلا الجمعة؛ لأنا نقول: بل قد عهد في الصلاة، وهى أم العبادات. وقد مر، ولولم يكن إلا صلاة الحائض لكفت في النقض عليكم؛ ثم إنَّ ما مر من الآثار عن الصحابة تمنع من صحة هذه التأويلات وجوازها؛ إذ صرح في بعضها بنفي الإجزاء، وفي بعضها بنفي القبول، وفي بعض بتقييد النفي بالتأبيد، وحتى يلقى الله تعالى، مع ما فيها وفي الحديث من التأكيد البليغ، حيث نفي صحة هذا القضاء وإجزائه وإن صامه يعني وإن صامه صومًا صحيحًا، باذلًا فيه صحته وكماله جهده وطاقته، ثم أسند القضاء إلى الصوم إسنادًا مجازيًا، وأضاف الصوم إلى الدهر إجراءً للظرف مجرى المفعول به، إذ الأصل لم يقض هو في الدهر كله؛ ثم أكد ذلك بالنفي المؤبد، وأنه يلقى الله ليس له من قضائه نفع،