مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين 43}

صفحة 3463 - الجزء 6

  فأردت أن تقيم الصلاة بهم، والأوامر الواردة في تعليم الصفات والكيفيات ليست للوجوب؛ لأن الغرض منها متعلق بالكيفية. وهي تابعة في الوجوب وعدمه لما هي كيفية له، ولا يستلزم الأمر بالكيفية وجوب المكيف بها، لا سيما إذا كان الأمر بالصفة على تقدير وجوب الموصوف. كما في هذه الآية، ولهذا لم يقل أحد من العلماء بوجوب صلاة الاستخارة المأمور بها بقوله: «فليركع ركعتين ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك» ونظائره كثيرة في تعليم الأذكار، ونوافل الصلاة، والصيام، وليس لأحد أن يقول: إنما عدلوا عن الواجب لقرينة؛ لأن الظاهر أنه لا قرينة سوى ما ذكرنا.

  الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ٩٨}⁣[الحجر] فأمره بالدخول معهم في سجودهم، والمراد بالسجود الصلاة، فإنها تسمى بذلك، وهذا أمر، والأمر للوجوب.

  والجواب: أن في الآية وجوهًا، وأيها كان فلا دلالة فيها على ما ذهبتم إليه أحدها: أن يكون المراد بالسجود الصلاة، فيكون المعنى: وكن من المصلين، والمراد من هذا الأمر إنما هو الأمر بالدوام على هذه العبادة؛ لأنه ÷ لم يزل متلبسًا بها أي من الدائمين على الصلاة.

  ثانيها: أن المراد بالسجود الخضوع والتواضع الله تعالى.

  ثالثها: أنها واردة مورد التعليم لما يدفع به الضيق والحزن، وهو الفزع إلى الله تعالى بالذكر المأمور به في قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}⁣[الحجر: ٩٨] وكثرة السجود، وقد روي أن النبي ÷ كان إذا أحزنه أمر فزع