مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 45 الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون 46}

صفحة 3559 - الجزء 6

  وضده بخلًا. وإن كان عن إجابة داعي الطعام والشراب في وقت مخصوص سمي صومًا، وضده إفطار. وإن كان عن إجابة داعي العجز والكسل سمي كيسًا، وضده عجزًا وكسلًا. وإن كان عن إجابة داعي الاتكال على الناس سمي مروءة. وإذا تعلق بالتسوية سمي عدلًا، وضده ظلمًا.

  فهذه أنواع الصبر، وله عند كل فعل وترك اسم يخصه. بحسب متعلقه، والاسم الجامع لذلك كله هو الصبر، وهذا يدلك على ارتباط مقدمات الدين بالصبر، من أولها إلى آخرها؛ ولهذا قيل: إن الإيمان هو الصبر، وليس ذلك إلا لكونه أكثر أعماله وأعزها وأساسها، كما قيل في قوله ÷: «الحج عرفة» وقد نبه الله على هذه الأقسام في كتابه، وعلى لسان نبيه ÷، قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ١٧٧}⁣[البقرة]، وقال ÷: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا»، وقد مر. ومن هنا يظهر لك سر أمر الله تعالى في هذه الآية بالاستعانة بالصبر؛ وقد تكلم بعض الناظرين فيما به تحصيل الاستعانة بالصبر، وأجاد في ذلك، فقال: الاستعانة بالصبر تكون بالالتفات إلى الأسباب التي تأفك الناس وتصدهم عن صراط الشريعة، كاتباع الشهوات. والولوع باللذات والبعد عن المؤلمات، ثم بالقياس بينها وبين ما رغب الله فيه، وأوعد بالعقاب على فعله، ثم بملاحظة أن ما أوعد الله به أولى بأن يتقى، وما وعد به أولى بأن يرجى ويطلب.