مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47}

صفحة 3583 - الجزء 6

  لا ينافي وجوبه الذي هو محل النزاع فباطل؛ لأنه لا يقال فيما وجب إسقاطه بالعفو إنه مستحق؛ لأن معنى الاستحقاق لمستحقه استيفاؤه، ومع فرض وجوب العفو لا يكون له ذلك، وإن أردت أنه لا ينافي جوازه وحسنه فغير محل النزاع؛ على أنها قد تقدمت الإشارة إلى أن العقاب واجب، وذلك ينافي جواز حسن العفو عقلًا.

  سلمنا فقد منع منه الشرع. وبما ذكرنا يعلم بطلان قوله: فهلا وقع العفو والوعيد ... إلخ. إذ لا صلاح في وقوعهما معًا، وإنما الصلاح في الوعيد، فلا وجه لقوله: وإن كشف عن الكذب ... إلخ؛ لأنه لا يكشف عنه مع ما قررنا من عدم الصلاح في العفو.

  الدليل السابع: أن الأصلح لو كان واجبًا لوجب أن يخلق الله تعالى للواحد منا من الشهوات والمشتهيات من الأموال والبنين ما لا يتناهي؛ لأنه أصلح⁣(⁣١) لنا، ولا حد تنتهي إليه الكثرة إلا وفي مقدوره تعالى ما هو أكثر، وإذا قيل بهذا لزم إما القول بتناهي مقدور الباري تعالى أو إخلاله بواجب، وكلاهما باطل، فما أدى إليه يجب أن يكون باطلًا، فثبت بطلان الأصلح. لا يقال: إنما لم يفعل ذلك لأنا لا تحتمل من الشهوات إلا قدرًا متناهيًا؛ لأنا نقول: ما صحح بشهوة واحدة في محل واحد صحح حلول ما لا نهاية له من الشهوات في ذلك المحل؛ لأن زيادة الشهوات لا تفتقر إلى زيادة البنية، ثم لو احتاجت عاد الإلزام فنقول: يوجد من الشهوات وبناها ما لا يتناهي.


(١) لأن لذة من يشتهي بشهوتين أكثر من لذة من يشتهي بشهوة واحدة، وبهذا يتفاضل أهل الجنة. تمت مؤلف.