تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47}
  ما لم يظهر فيه وجه الحكمة رددناه إلى هذا الأصل، فيقال هنا: لو كان عدم التكليف أصح لم يكلفه الله تعالى، وهذا الجواب الجملي.
  وأما التفصيلي فخذه من هنالك. ومن الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧]، وحاصل الجواب أن تكليف من هذا شأنه نعمة وإحسان، وأنه يقبح الإهمال، وأثبتنا من البراهين على إثبات هذين الأصلين بما لا تجده في غير كتابنا هذا، فارجع إلى ذلك؛ إذ لا فائدة في التكرار. وإذا ثبت ذلك فلا وجه لهذا الإلزام(١)؛ على أنه قد مر أن الخصم يقول بوجوب التكليف، فلا وجه لإلزامه بنفس مذهبه؛ وأيضًا، قد مر في الثالثة عشرة عن أبي القاسم أنه لا يحسن تكليف من علم الله أنه لا يؤمن إلا إذا كان فيه لطف لغيره، وعلى هذا فلا يحسن إلزامه بهذا إلا بعد تسليمه بطلان أصله؛ لأنه يقول: لم يكلفهم إلا وفيه لطف لغيرهم، وإلا لم يقع.
  الدليل التاسع: لو وجب الأصلح لكان ما بنى من النعم واجبًا، فلا يستحق عليه شكر؛ لأن الشكر إنما هو في مقابلة التفضل، ولوجب أن يبقي الله الكفار كلهم ويميتهم كلهم، وقد صور ذلك في رجلين كافرين مات أحدهما شابًا ومات الآخر شيخًا، فإن للشيخ أن يقول: هلا أمتني يا رب قبل أن أكفر فإنه أصلح، فإذا قيل: فإني عرضتك بالبقاء بمنافع الثواب وهو أصلح كان للشاب أن يقول: فهلا أبقيتني وعرضتني للثواب لأنه الأصلح. وقد يقال: هذا يلزمكم فيما أوجبتموه على الله تعالى من اللطف والتمكين ونحوهما؛ لأنها نعم
(١) لظهور كون التكليف أصلح له. تمت. مؤلف.