تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47}
  من الضرر على المعطي، وهذا أولى، وقد مر في أول هذه السورة الدليل على منع إخراج جميع المال أو أكثره، فتقدم منع الزائد على الثلث، لا يقال: نفع ثواب الإنفاق أعظم من الضرر، فلا يقدح في كونه أصلح؛ لأنه يقال: لا نسلم ذلك ولا طريق إليه، على أن صرفه في نفسه وعائلته أنفع وأصلح، وثوابه أعظم؛ ولهذا أمر الشارع المتصدق أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول، فيعارض ما ذكرتم، ويرجح عليه، لخلوصه من الضرر، وأيضًا، فيما ذكرتم مفسدة عظيمة، وهي أنه لو وجب على أحدنا أن يعطي الغير جميع ماله لأنه أصلح لوجب على ذلك الغير أن يفعل مثله، فتخرجوه إلى آخر لهذا الوجه، وهلم جرًا، فلا يستقر ملك ولا يحصل انتفاع كامل لأحد، وفي هذا تفويت الغرض لخلق المنافع والتنكيل منها، وهو باطل، فما أدى إليه يجب أن يكون باطلًا فثبت [أن لاصلاح](١) في إيجاب ما ذكروا، فيبطل الإلزام به. والله أعلم.
  هذا، وأما ما ذهب إليه أبو القاسم من أن وجوب ذلك وجوب جود لا غير فليس فيه خلاف للجمهور إلا في العبارة(٢)، وبيانه أن الواجب(٣) ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذم، وتارك الجود لا يستحق ذمًا، فكيف يسمى واجبًا؟
  فإن قيل: بل يستحق الذم، لأن نقيضه البخل، والبخيل مذموم.
(١) في الأصل (فثبت أن لإصلاح) والصواب ما أثبتناه بين المعكوفين [...].
(٢) لافي المعنى فهو موافق. تمت. مؤلف.
(٣) لغة وعرفًا وشرعًا. تمت. مؤلف.