مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47}

صفحة 3589 - الجزء 6

  قيل: لا نسلم فإن البخل منع إنفاق ما يجب الإيفاء به، والجود إنفاق ما لا يجب إنفاقه، ونقيضه أن لا يجود، وتارك الجود لا يستحق الذم وإن استحقه البخيل.

  قال الإمام المهدي: على أن البخل لا يتصور إلا بعد ورود الشرع؛ لأن وجوب إنفاق المال شرعي، إلا حيث لا يندفع الضرر عن النفس إلا به؛ لوجوب دفع الضرر عن النفس عقلًا. لا بكون البخل مذمومًا عقلًا. لا يقال: كان الجاهلية يذمون من لم يكرم ضيفه ومن عرف منه البخل الشديد، وإن لم يكن واجبًا بالمعنى المشهور، بل وجوب جود كما ذكره أبو القاسم؛ لأنا نقول: إنما استحسنوا ذلك الذم لاعتقادهم قبح الإمساك، وسواء كان ذلك علمًا أو جهلًا، كما سموا الأصنام آلهة لما اعتقدوا استحقاقها للعبادة، فكذلك لما اعتقدوا وجوب إكرام الضيف وقبح الاستهانة به استحسنوا ذم البخل بحقه. فثبت أن وصف الجود بالوجوب خطأ في العبارة.

  الموضع الرابع: في شبه المخالف، وهي أربع:

  الأولى: أنه قد ثبت أنه يجب على الله تعالى الأصلح في الدين، فيقاس عليه الأصلح في الدنيا.

  قلنا: لا نسلم الأصل: سلمنا فلا علة جامعة؛ لأنه إنما وجب في الدين لكونه إزاحة للعلة، فجرى مجرى التمكين، ومنعه فساد في التكليف الذي قصد به التعريض؛ إذ يعود على الغرض بالنقض، ولذلك لا يكون إلا بعد التكليف، وليس كذلك الأصلح في الدنيا.