تفسير قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين 47}
  الثانية: قالوا: قد ثبت أن الموسر إذا شاهد من قد أشرف على الهلاك من الجوع، وعلم أنه إذا دفع إليه ما يدفع به الضرر وهو قادر على ذلك، ولا يتضرر بما دفع فإنه يجب عليه دفع ما يمنع الهلاك، حتى أنه يذم وينسب إلى البخل إن لم يفعل، وليس ذلك إلا لقبح الإخلال بالفعل، فكذلك حال القديم تعالى، فإنه لا يتضرر بما دفعه إلى العبد فيجب أن يوصل إليه المنافع التي ذكرناها.
  والجواب أن يقال: لا يخلو إما أن نفرض الكلام فيه بقضية العقل قبل ورود الشرع، أو بعده، إن كان الأول فصاحب المال إما أن يلحقه غم بمشاهدة هذا الفقير المشرف على الهلاك ومضرته، أولا، إن لحقه وجب عليه ذلك دفعًا للضرر(١) عن نفسه، وإلا يلحقه غم فهو محل النزاع، ونحن لا نسلم أنه يجب عليه بذل شيء من ماله، ولا أنه يحسن ذمه، بل نحكم أنما فعله تفضل وإحسان، وإن كان الثاني فالشرع قد جاء بوجوب الزكاة، فإن كان عليه الزكاة وجب عليه ذلك، وإلا فلا، وقال في الغياصة: الشرع قد ورد بوجوب سد رمق المشرف على الهلاك من ماله(٢)، بل ورد في الشرع أخذ ذلك لمن خشي على نفسه التلف، وإن كان بغير رضى صاحب المال ولحرمة النفس، فإن حرمتها آكد. وأما وصفهم له بالبخل فإنما يصفه بذلك من يعتقد الوجوب. كما مر من وصفهم بذلك من لم يكرم ضيفه، أو من يستدل بذلك على قلة رحمته وعلى زهده في الخير، وأما على جهة أنه أخل
(١) وهو الغم الذي لحقه بسببه. تمت. مؤلف.
(٢) أي مال المؤسر. تمت. مؤلف.