تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}
  والوبال، ونحن نعلم أن أحدنا يتجنب فعل القبيح إذا جوز أن يناله بسبيه خزي ونكال، وقيد وأثقال، وضرب شديد وأخذ أموال، وإن قطع بانقطاع ذلك كله في حال حياته، وقد مر في الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧] أن تجويز العقاب يكون صارفًا عن القبيح. إذا كان القبيح واستحقاق العقاب عليه معلومين، ثم يجوز أو يظن وقوع ذلك به، وهذا من ذلك القبيل، فإن العاصي يعلم أنه مستحق للعقاب، وأن العقاب ثابت معلوم عنده، وهو مجوز لوقوعه؛ إذ لم يقطع بوقوع الشفاعة قبل دخوله النار، وإذا ثبت هذا لم يكن القطع بالشفاعة مؤديًا إلى الإغراء بالقبيح؛ لوجود الصارف المحقق. والله الموفق.
  وأما الثانية فلأن الشفاعة ليست لإبطال الوعد والوعيد، ولا للمساواة بين المحسن والمسيء، وإنما هي للتجاوز عن المسيء والعفو عنه بإسقاط العقاب، ولا قبح في ذلك، فإن العقلاء يستحسنون إغاثة اللهفان والتنفيس عن المكروب، ولا يلزم من ذلك المساواة بين المحسن والمسيء فإن المحسن فرح مستبشر من حين بعثه من حفرته إلى أن ينال ما وعده به ربه في جنته، لا يحزنه الفزع الأكبر وتتلقاه الملائكة بالتبشير والتعظيم، والمسيء بخلافه في ذلك، بل يكون منكسر(١) الخاطر قرح الجنان، يود لو يفتدي بأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، ومع ذلك أن منزلة الذي يعطاه في الجنة إنما هو من باب التفضل دون الاستحقاق، والمتفضل به لا يكون في اللذة مثل المستحق؛ وأيضًا، ليس في أدلة
(١) هكذا في الأصل: منكر الخاطر، ولعل الصواب: منكسر الخاطر، وقد أثبتناه.