مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3653 - الجزء 6

  قال النووي: وكم من حديث صحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم بشفاعة النبي ÷.

  قلت: ومجموع تلك الأحاديث مع كثرتها تفيد تواتر القدر المشترك، وهو أنه لا شفاعة إلا للمطيعين، وإلا لم يكن للترغيب في تلك الأسباب فائدة؛ وليس للخصم أن يقول: تلك الخصال من أسباب الشفاعة، ولو كان فاعلها⁣(⁣١) من أهل الكبائر، كما يفيده الظاهر؛ لأنا نقول: الكبائر محبطة للأعمال، كما مر؛ وإذا كانت هذه الخصال قد بطلت وحبطت فكيف تؤثر في استحقاق فاعلها الشفاعة؟؛ إذ لا معنى لإحباطها إلا بطلان ما يترتب عليها من الثواب والسلامة من العقاب وسائر وجوه النفع، على أن هذا خلاف مذهب الخصم، فإن عنده أن الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة، ولا يتوقف ثبوتها على سبب غير الإسلام.

  فإن قيل: يجوز حمل الشفاعة المترتبة على فعل الطاعة على بعض الشفاعات الكائنة في ذلك اليوم. فإن للنبي ÷ شفاعات متعددة، منها ما يختص به أهل الكبائر، وذلك في العفو عنهم قبل دخولهم النار أو بعده، ومنها لكامل الإيمان في تخفيف الحساب وزيادة الدرجات ونحو ذلك، فلا مانع من حمل هذه الشفاعات على زيادة الدرجات للمؤمنين الفاعلين لشيء من تلك الأسباب أو تخفيف حسابهم؛ وحينئذ فلا تعارض بينها وبين الشفاعة العظمى الكائنة لأهل الكبائر.

  قيل: هذا الاحتمال خلاف الظاهر، ولا دليل يوجب المصير إليه؛


(١) أي: فاعل تلك الخصال.