مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3659 - الجزء 6

  فإن قيل: هو مشروط بوقوع المعصية، والمعنى: اللهم اجعلني من أهل الشفاعة إن مت مصرًا على كبيرة، ونظيره قولهم: اللهم اجعلني من التوابين فإنه مشروط بكونهم مذنبين، والمعنى: اللهم وفقني للتوبة إن أذنبت، وليس معناه طلب الذنب ليتوبوا.

  قيل: لا يجب من تقدير الشرط في سؤال التوبة تقديره في سؤال الشفاعة؛ لأن الأول أدى إليه الدليل، وهو أنه لا توبة إلا من ذنب، ولا دليل على أنه لا شفاعة إلا لصاحب كبيرة، فلا يلزم هذا التقدير في سؤال الشفاعة؛ وأيضًا، التوبة والاستغفار تحسن، سواء كان هناك معصية أم لا؛ ولهذا كان النبي ÷ يستغفر كثيرًا.

  قال القرشي: هذا إذا لم يكن المراد: اللهم اجعلنا ممن يفعل فعل التوابين.

  قال الإمام عز الدين: يعني من العاملين أعمال التوابين المخلصين، المتزجرين عن المحرمات، القائمين بالواجبات.

  قال الفقيه حميد: ويكون المراد من التوابين مما يعرض في خلال الطاعات والمناجاة من قبائح لا يكاد يسلم أحد عنها، من قبيل التقصير؛ لأن أحدنا لا يفارق القبيح في كثير من الأوقات، ولذلك روي عنه ÷ أنه قال: «ما من مؤمن إلا وله ذنب يصيبه الفينة بعد الفينة، لا يفارقه حتى يفارق الدنيا».

  وإذا ثبت هذا ظهر الفرق بين سؤال الشفاعة بالمعنى الذي زعمه الخصم وبين سؤال التوبة، وصح أن سؤال الشفاعة لا يحسن إلا على قولنا، وهو أن أهلية الشفاعة إنما تحصل بالخروج من الدنيا مستحقًا