تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}
  ولا مرجح لأحدها، فيجب إما الوقف أو الرجوع إلى دليل آخر في معناها، والذي يظهر أن المراد بالعهد القيام بالتكاليف فعلًا وكفًا، وقد مر في قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: ٤٠] وقوله: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}[البقرة: ٢٧] ما يؤدي هذا المعنى، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ...} الآية [يس: ٦٠].
  وعن مقاتل في قوله: {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ٨٧}[مريم] قال: العهد الصلاح.
  إذا عرفت هذا فنقول: الاستدلال بالآية على نفي الشفاعة للفساق أظهر وأوضح من الاستدلال بها على ثبوتها لهم؛ لأن الله قد أخبر أن المجرمين لا يملكون الشفاعة، إما بمعنى لا يشفعون لأحد، أو لا يشفع لهم أحد، ثم أخبر أن الشفاعة لمن اتخذ عند الرحمن عهدًا، كذلك إما أن يشفعوا لغيرهم، أو يشفع لهم غيرهم، وليس هذا الاستثناء متصلًا كما توهمه عبارة الخصوم، بل هو منقطع، والمعنى. لكن الذي يملك الشفاعة هو من اتخذ عند الرحمن عهدًا، وفيه تعريض بالمجرمين، وقد عرفت معنى العهد، والروايات المذكورة لا تنافي ما ذهبنا إليه؛ لأن مطلقاتها مقيدة، فمن فسر العهد بالتوحيد فمعناه بحقه وشروطه؛ لثبوت التقييد في أحاديث «من قال: لا إله إلا الله ...» ونحوها، وليس هذا موضع ذكره، ومن فسرها بغيره فالمعنى مع اجتناب الكبائر ونحو ذلك، والموجب قيام الدليل على هذا التقييد.