مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3689 - الجزء 6

  الوجه الثاني: من أوجه الجواب أن هذه الأخبار آحادية، والمسألة قطعية لا يحتج فيها بالآحاد. فإن قيل: قد قرر غير واحد منهم تواترها منهم السيد محمد بن إبراهيم والمقبلي كما مر، قيل: شرط التواتر أن يكون عدد المخبرين في كل مرتبة جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة مستندين إلى الحس، وهذا مفقود هنا؛ لأن الرواة عن الصحابة والتابعين لم يبلغوا هذا القدر، وأيضًا الصحابة أنفسهم جماعة قليلة كما عرفت، وبعد فعيار ثبوت التواتر وتوفر الشروط حصول العلم وهو لم يحصل لكثير من مشاهير علماء الأمة، لا يقال: إنما تخلف لمانع، وهو لا يقدح في التواتر؛ لأنا نقول: المانع إما الجهل بتلك الأخبار وتقصير في البحث عن طرقها، أو رسوخ عقيدة صادرة عن تقليد الآباء وتأثير الأسلاف، وكل هذا منتف عن خصومكم، فإنهم أهل العلم الغزير والورع الشحيح، والدين المتين، والنظر الدقيق، والبحث والتفتيش، وتأسيس العقائد على القواعد المستخرجة من البراهين الساطعة والحجج القاطعة، وكيف يظن بأهل بيت النبوة وأتباعهم الجهل بالعلوم، وهم عيبة العلم ومعدن الحكم، ورؤساء الدين، من تمسك بهم نجا، ومن تخلف عنهم غرق وهوى.

  فإن قيل: المدعى هو التواتر المعنوي.

  قلنا: ممنوع، فإن شرطه بلوغ عدد المخبرين بآحاد الوقائع إلى حد التواتر، وهو منتف هنا، كما مر، وأيضًا لم تتعدد الوقائع، فإنهم كلهم مخبرون عن ثبوت الشفاعة، واختلفت ألفاظهم، وقد طعن فيها بذلك.