تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}
  قال بعض أئمة العدل: هي أخبار عن واقعة واحدة رويت على وجوه مختلفة، مع الزيادة والنقصان، وذلك مما تطرق التهمة إليها؛ وبعد فالمخبرون هنا هم الخصوم، وهم أهل الدعوى؛ وقد قرر أنه لا تقبل رواية الداعي إلى مذهبه، وروي عن المقبلي أنه قال: لو روى أحد ما يقوي مذهبه لم تمسه الصحة.
  الوجه الثالث: أن بعض تلك الأخبار مشتملة على التجسيم والتشبيه وغيرهما، وبعضها أشد من بعض في الاشتمال على ذلك، وقد نزهنا كتابنا هذا عن بعض الألفاظ الشنيعة في ذلك، كإثبات الصورة والساق(١) وأضرابهما، واشتمالها على ما لا نزاع بيننا وبين خصومنا في بطلانه بحسب الظاهر مما يوجب التهمة في الأخبار المتضمنة له.
  الوجه الرابع: أنها متناقضة، فإن في بعضها ما يدل على عموم الشفاعة للمؤمن والكافر، وفيها ما يخص فساق الأمة، وفيها ما يشمل مؤمنهم وكافرهم؛ والخصم لا يثبت الشفاعة للكافر، ويخص بالشفاعة العظمى الفاسق، والظاهر أن القصة واحدة، والحديث واحدة، وهذا الاختلاف يدل على عدم ضبط الرواة لألفاظ الحديث؛ لا يقال: يمكن حمل الاختلاف على تعدد الشفاعات، فمنها عام، ومنها خاص، والعام يتناول الكافر في إراحة الناس من الموقف وتعجيل الحساب ونحو ذلك، ولا مانع من وقوع مثل هذه الشفاعة للكافر، وهكذا تؤول سائر الألفاظ بحسب ما يقتضيه اللفظ، وقد قيل: إن الشفاعة تنقسم إلى خمسة أقسام، ووزعت الأحاديث عليها
(١) هكذا في الأصل السياق، ولعل الصواب ما أثبتناه.