مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3691 - الجزء 6

  لأنا نقول: الظاهر أن الحديث واحد وقع في بيان أحوال القيامة وما يتعلق بها من الشفاعة، وحينئذ فاختلاف ألفاظه ليس لاختلاف الشفاعة؛ بل لعدم ضبط الرواة، وأيضًا، القول بثبوت أي شفاعة للكافر معارض بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ...}⁣[البقرة: ٤٨] الآية ونحوها، فثبت تناقض الروايات، وذلك دليل ضعفها؛ فإن رجعوا إلى التخصيص والتأويل فليسوا بأولى منا، وقد استند بعض أصحابنا في إبطال بعض هذه الأحاديث إلى كونها طويلة، فلا يمكن ضبط الحديث النبوي. والله أعلم.

  الوجه الخامس: أنه قد تقرر أن الخبر إذا كان مما توفر الدواعي إلى نقله ولم يتواتر وجب رده، قيل: والقطع بكذبه، ومن موجبات التوفر أن يكون متعلقًا بأصول الدين، ولا شك أن هذه الشفاعة مما تتوفر الدواعي إلى نقلها، فلو كانت صحيحة لتواترت.

  الوجه السادس: أن هذه الأخبار معارضة بمثلها، بل بأكثر منها، تقدم بعض ذلك، وهي ألفاظ صريحة في نفي الشفاعة عن كثير من أهل الكبائر، وما ثبت في البعض ثبت في الكل، كما مر تقريره، والخصم يدعي التعميم؛ على أن أخبارنا موافقة لسائر أدلة الخلود في النار، وهي كثيرة كتابًا وسنة، وقد روى الإمام المهدي وغيره عن الحسن البصري، عن رسول الله ÷ أنه قال: «لا تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي» وفي لفظ: «ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» ولا يضر إرساله؛ لاعتضاده بأخبارنا الصريحة بنفي الشفاعة لمرتكب بعض الكبائر؛