مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3693 - الجزء 6

  «من كان في قلبه ما يزن من الخير ذرة» ونحوه المراد منه أن يكون قد استحق الثواب بالتوبة وبزيادة هذا المقدار وما فيها من ذكر خروجهم من النار بالشفاعة أنهم قد صاروا فحمًا وضبائر وكعيدان السماسم ونحو ذلك فقال القرشي: لابد من ترك ظاهره؛ لأن أهل النار لا بد أن يكونوا أحياء، والفحم لا تصح الحياة فيه. ثم ذكر أن المراد يخرج من عمل أهل النار.

  قال: وشبههم بالفحم والحمم لعظم ذنوبهم، فكأنهم قد احترقوا.

  وقيل: المراد خروجهم عن الحكم والاستحقاق، وهو قريب من الأول؛ لأن من خرج عن عمل أهل النار فقد خرج عن استحقاقها والحكم له بها، وهذا المعنى شائع، قال الله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}⁣[آل عمران: ١٠٣] فالمراد التشبيه، فكأنهم لفرط انهماكهم بالمعاصي واستحقاقهم للعقاب قد أشرفوا عليه وقاربوا محله، ودعاء النبي ÷ لهدايتهم إياهم إلى الهدى ودلالتهم عليه هو الذي أنقذهم من ذلك العقاب؛ ومثله قوله ÷ وقد سمع قارئًا يقرأ قل هو الله أحد فقال: «أما هذا دخل الجنة» وروي أنه ÷ قال حين سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله: «خرج من النار» روى هذين الحديثين بعض أثمتنا أخرج الأخير منهما أحمد، ومسلم، والترمذي وصححه.

  فإن قيل: لو أراد الشارع المعنى الذي جنحتم إليه والتأويل الذي حملتموها عليه لنبه عند النطق بها عليه، وإلا كان ملغزًا وحاملًا للسامع على اعتقاد جهل؛ لظهورها فيما ذهب إليه الخصوم، وذلك لا يجوز منه.