مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}

صفحة 3757 - الجزء 6

  قلت: لعل لزوم هذا على رأي من يجعل الوجود أمرًا زائدًا على الذات من هؤلاء؛ إذ يلزمهم عليه القول بثبوت ذوات العالم في العدم.

  الوجه الرابع أن يقال: هل تجعلون⁣(⁣١) الوجود علة في صحة جميع الإدراكات على الله تعالى، أو في صحة الرؤية فقط؟

  الثاني: باطل لاتحاد الطريق، والأول يلزم منه أن يصح أن تسمع ذاته وتذاق وتشم وتلمس. قيل: وقد التزمت الأشعرية، فأجازوا أن تدرك ذاته تعالى على حد إدراكنا للألم واللذة، والريح، والطعم، والحرارة، وأجازوا أن تدرك حياته وعلمه على حد إدراكنا لهذه المدركات؛ وهذا تهافت شديد، وضلال بعيد.

  الشبهة الثانية: أن القديم تعالى يوصف عندكم بأنه راء لذاته، فيجب أن يرى نفسه فيما لم يزل، وإلَّا خرج عن كونه رائيًا لذاته، وكل من قال: إنه يرى ذاته قال: إنه يراه غيره.

  قوله: (وكل من قال: إنه يرى ذاته قال: إنه يراه غيره) ممنوع، فإن في الناس من قال: إنه يرى ذاته ولا يراه غيره.

  والجواب: لا نسلم أنه يرى لذاته، وإنما يرى لكونه حيًا بشرط وجود المدرك، فقد بينا كون ذاته مما لا يصح إدراكها، وإلا لجاز أن يرى المعدوم، ولا وجه لامتناع رؤيته إلا كونها مستحيلة، وهي في حق الباري تعالى كذلك.


(١) كذا في الأصل أن يقال: لا يجعلون الوجود، ولعل الصواب ما أثبتناه.