تفسير قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 79}
  أنه أنكر عليهم دعوى الخروج مطلقًا، وقد صرح به ابن عباس في تلك الرواية، فإنه قال في آخرها حاكيًا عن اليهود: إنهم قالوا: إنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله في ذلك: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}[البقرة: ٨٠] إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٨١}[البقرة]؛ وهذا نص في أن الإنكار وقع لدعواهم الخروج، وإلا لما كان لذكر الخلود في الرد عليهم معنى؛ وقد جاء في ذلك روايات، فأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والواحدي، عن ابن عباس قال: وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين، فقالوا لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار، فصاروا فيها حتى انتهوا إلى سقر، وفيها شجرة الزقوم، إلى آخر يوم من الأيام المعهودة، فقال لهم خزنة النار: يا أعداء الله، زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أيامًا معدودة، فقد انقضى العدد، وبقي الأبد، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم.
  وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: اجتمعت يهود يومًا فخاصموا النبي ÷ فقالوا: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، وسموا أربعين يومًا ثم يخلفنا فيها ناس، وأشاروا إلى النبي ÷ وأصحابه؛ فقال رسول الله ÷ ورد يده على رؤوسهم: «كذبتم؛ بل أنتم خالدون مخلدون فيها، لا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدًا»، ففيهم أنزلت هذه الآية: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة: ٨٠] يعنون أربعين ليلة.