مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3798 - الجزء 6

  المقدمة الثالثة: أن دلالة تلك الألفاظ على مدلولاتها قطعية، والخلاف فيها لبعض الأصوليين، وهو ظاهر كلام السيد محمد بن عز الدين المفتي، وقال: إنه صرح به الإمام المهدي وغيره في أصول الفقه. وحكي عن عامة أهل المعاني أنهم قالوا: إن كان ذلك فيما المطلوب فيه الظن حمل على العموم دفعًا للتحكم، وإن كان فيما المطلوب فيه العلم حمل على أقل ما يحتمل من حقيقة؛ إذ لا قاطع في مدلوله العمومي، فلا يجوز الاعتقاد كذلك. قال: وهذه قاعدة كلية كما ذكروه عن السكاكي ولم يعترضوه، بل قرره السعد. وذكر عن جار الله والسكاكي أن نحو المعرف باللام مشترك بين الجنس والاستغراق، وربما تحقق أحدهما بالقرائن، وهما من فحول أئمة اللغة، فالقطع في موضع الظن حرام.

  هذا حاصل ما ذكره المفتي. لنا: أن حد الخطاب هو الكلام الذي يقصد به إفهام من يصح إفهامه معناه، والعموم معناه الشمول، فوجب حمله عليه عند عدم القرينة قطعًا، وإطلاقه غير مراد به ظاهره من دون قرينة قدح في الحكمة والعدل؛ وتحقيق ذلك أن يقال: قد ثبت أن الله تعالى عدل حكيم، لا يفعل القبيح ولا يخل بواجب، وأفعاله كلها حسنة، وذلك يوجب أنه لا يجوز منه تعالى أن يخاطب بخطاب يقصد به غير ظاهره. ولا يبين مقصوده منه؛ لأن ذلك تلبيس وتعمية، وإغراء باعتقاد الجهل، وتكليف بما لا يعلم، وكل ذلك قبيح تمنع منه الحكمة، كما مر في مواضع من هذا الكتاب، وإذا كان لا يجوز منه ذلك ثبت أن دلالة هذه الألفاظ على معانيها قطعية غير مشكوك فيها البتة،