مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3802 - الجزء 6

  وقد مر الدليل على ذلك في الثانية من مسائل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ...}⁣[البقرة: ٢٩] الآية.

  وإذا عرفت صحة هذه القواعد الأربع فاستمع لما يتلى عليك من عمومات آيات الوعيد، وهي على ضربين: ضرب عام لكل عاصي، وضرب خاص بفساق أمة محمد ÷؛ ولما كان العموم الآتي بصيغة (من) الشرطية كثيرًا، ولم يكن قد تقدم لنا في إثبات عمومها بحث مستقل رأينا أن نقيم البرهان القاطع على عمومها، فنقول: الدليل على أن (من) و (ما) وسائر كلم المجازاة للعموم من وجوه:

  أحدها: أنها لو لم تكن للعموم لكانت إما للخصوص، أو مشتركة بينه وبين العموم، والقسمان باطلان، أما الأول فلأنه إذا قال: من دخل داري فأكرمه، والفرض أنها للخصوص لم يحسن من المخاطب أن يجري على موجب الأمر فيعطي الجزاء كل من أتى بالشرط؛ لأن الجزاء لا يكون مرتبًا على الشرط، لكنهم أجمعوا على حسن إكرام كل من دخل الدار، فعلمنا أن هذه اللفظة ليست للخصوص. وأما الثاني فلأن الاشتراك خلاف الأصل، ولأنها لو كانت مشتركة لما حسن من المخاطب ترتيب الجزاء على الشرط إلا بعد الاستفهام عن جميع الأقسام الممكنة، مثلًا إذا قال: من دخل داري فأكرمه، فيقال: هل أردت الرجال أو النساء؟ فإذا قال: الرجال، فيقال هل أردت العرب، أو العجم؟ فإذا قال: أردت العرب، قال: أردت ربيعة أم مضر؟ وهلم جرًا، إلى أن يأتي على جميع الأقسام الممكنة؛ لكنا نعلم