تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}
  إما أن يقال: إنه مشترك بين الاستغراق وبين مرتبة معينة في الخصوص، أو بينه وبين جميع المراتب الممكنة في الخصوص، الأول باطل اتفاقًا، والثاني يوجب أن لا يحسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن كل تلك الأقسام؛ لوجوب مطابقة الجواب للسؤال؛ فثبت أنه لو صح الاشتراك لوجبت هذه الاستفهامات، لكنها غير واجبة؛ لوجهين:
  أحدهما: أنه لا عام إلا وتحته عام آخر، وإذا كان كذلك كان التقسيمات الممكنة غير متناهية، والسؤال عنها على سبيل التفصيل محال.
  الثاني: أن أهل اللسان يستقبحون مثل هذه الاستفهامات، يعلم ذلك عنهم ضرورة. وإذا بطل هذان القسمان تعين كونهما للعموم. لا يقال: إذا بطل كونها للخصوص أو للاشتراك فلا يلزم منه كونها للعموم؛ لجواز أن لا تكون موضوعة لواحد منها؛ لأنا نقول: هذا متفق على بطلانه، فتعين الأخير وهو كونها للعموم. وإذا ثبت أن لفظة (من) موضوعه للعموم فلنرجع إلى ما نحن بصدده من الاستدلال بآيات الوعيد العامة والخاصة بهذه الأمة وغيرهم، فنقول: أحد ما يدل على ذلك هذه الآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٨١}[البقرة]؛ ووجه الاستدلال بها أن لفظ (بلي) إثبات لما بعد حرف النفي، وهو قوله تعالى: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة - ٨٠] أي بلى تمسكم أبدًا؛ ولما كانت السيئة متناولة للصغائر والكبائر بيِّن سبحانه وتعالى