تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}
  أن المستحق لهذا الوعيد إنما هو من كانت سيئته محيطة به، والإحاطة حقيقة إنما تكون في الأجسام، كما في إحاطة السور بالبلد، والثوب بالجسد، وذلك ممتنع هنا، فتعين حملها على المجاز، فنقول: شبه إحباط المعاصي لثواب الطاعة بالشيء الساتر لغيره، المحيط به من جميع جوانبه، فأطلق عليه لفظ الإحاطة؛ وهذا التشبيه إنما يتأتى في الكبائر لأنها الذي يحصل بها الإحباط. ووجه آخر، وهو أنه شبه الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطاعات بإحاطة عسكر العدو بالإنسان، بحيث لا يمكنه التخلص، فكأنه قال: بلى من أحاطت كبيرته بطاعته فأولئك أصحاب النار.
  فإن قيل: الآية نزلت في اليهود؛ إذ هي رد لقولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}[البقرة: ٨٠].
  قيل: الخطاب عام، والعام لا يقصر على سببه، ومن ادعى التخصيص فعليه الدليل. ومن جملة الآيات الواردة في هذا المعنى: قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}[الجن]، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر، فيجب حمله عليه؛ إذ لو أراد أحدهما لبينه؛ لما مر في المقدمات الأربع.
  فإن قيل: الآية واردة في الكفار؛ بدليل قوله تعالى بعدها: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا ٢٤}[الجن]؛ إذ لا يكون هذا إلا مع الكفار.
  قيل: بل يكون معه ومع غيره؛ بدليل قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ٥} إلى قوله: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ١٠}[الطارق] والضمير للإنسان،