مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3807 - الجزء 6

  وهو عام؛ إذ كل فرد من أفراده مخلوق من ماء دافق، خارج من بين الصلب والترائب، داخل تحت قدرة القوي القادر على كل شيء؛ سلمنا، فالآية كلام مستقل بنفسه لا يحتاج إلى ما بعده، فخصوص ما بعده لا يمنع من عمومه، وقد تقرر في الأصول أن خصوص آخر الآية أو الخبر لا يمنع من عموم أوله حيث كان مستقلًا بنفسه؛ ونظيره قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}⁣[البقرة: ٢٢٨]، فإنه عام للبائنة والرجعية، ثم ذكر في آخر الآية حكمًا خاصًا بالرجعيات، وهو قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}⁣[البقرة: ٢٢٨]، ولم يكن قادحًا في عموم أولها، فكذلك هنا. ومن ذلك: قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ...}⁣[النساء: ٩٣] الآية، ودلالتها واضحة؛ إذ أخبر أن ذلك جزاؤه.

  قالوا: الآية إنما تدل على استحقاقه للجزاء، والاستحقاق لا يوجب وقوع المستحق، والكلام إنما هو في وقوعه.

  قلنا: خلاف ما يقتضيه ظاهرها؛ سلمنا، فلا نسلم أن الاستحقاق لا يوجب الوقوع؛ إذ تجويز عدم الوقوع فضلًا عن القطع به يستلزم الإغراء بالمعاصي، وهو قبيح، فيجب القطع بوقوعه لذلك، وقد قال تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}⁣[النساء: ١٢٣].

  قالوا: تقدير الآية: فجزاؤه جهنم إن جازاه.

  قلنا: هذا التقدير لا دليل عليه، ولا ملجئ إليه، فوجب القطع بعدمه.