مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3808 - الجزء 6

  قالوا: الآية ليست على ظاهرها، وإلا لوقعت المجازاة عقيب القتل؛ إذ الفاء للتعقيب، وإذا كان لابد من التأويل والتجويز فلستم بأولى منا بذلك، فقولكم: إنه محمول على أنه يجازى به في الآخرة ليس بأولى من قولنا: إنه محمول على الاستحقاق، أو على شرط مقدر، كما مر.

  قلنا: قد تقرر أن الكلام إذا لم يمكن حمله على الحقيقة وجب حمله على أقرب المجازين منها؛ لأن الأبعد منهما مع الأقرب كالمجاز مع الحقيقة، فكما لا يجوز حمله على المجاز مع إمكان الحقيقة فلا يجوز حمله على أبعد المجازين مع إمكان الأقرب؛ وقد قررنا هذه القاعدة في الباب الثاني من فاتحة الكتاب؛ وحمل الجزاء في الآية على أنه سيجازى في الآخرة أقرب من حمله على الاستحقاق، أو على شرط مقدر؛ لأن في تأويلنا موافقة للظاهر في أنه واقع لا محالة، وفي أن وقوعه مستقبل بالنظر إلى وقوع المعصية، والفاء تقتضي وقوعه في المستقبل إلا أنه بلا مهلة، والتأويل فيه بمهلة، ولا شك أنه أقرب إلى الحقيقة؛ لاشتراكهما في الاستقبال. ومن ذلك: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ٧٤}⁣[الزخرف]، والمجرم يتناول الفاسق والكافر لغة؛ لأنهم لا يفرقون بين قولهم: مذنب ومجرم، والمذنب يشملهما جميعًا، فكذا المجرم، وشرعًا كذلك؛ إذ لا فرق عند أهل الشرع بين قولنا: مجرم بالزنا، ومذنب بالزنا.

  قالوا: الآية في الكفار؛ لقوله في آخرها: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ٧٥}⁣[الزخرف] وقوله بعدها: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}⁣[الزخرف: ٨٠]، وهذا لا يتأتى إلا في الكافر.