مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3910 - الجزء 6

  احتج البغداديون بأن المكلف إذا جوز سقوط العقاب لم يزجره الوعيد عن المعصية مع خلق الشهوة فيه.

  وأجيب بأنه إذا قطع بوقوعه صار ملجأ إلى تركه، ولا يصح تكليف الملجأ، فلابد من تجويز سقوطه بوجه، وإلا كان ملجأ؛ ويلزم أيضًا أن يكون مغرىً بتجويزه التوبة، فلا يصح قبول التوبة منه، وهو باطل.

  قالوا: العقاب لطف واللطف يجب أن يكون على أبلغ الوجوه، ولا يكون كذلك إلا إذا كان واجبًا على الله تعالى؛ لأن المكلف إذا علم أنه يفعل به ما يستحقه لا محالة كان أقرب إلى الانقياد.

  قال السيد مانكديم: وربما يؤكدون ذلك بقولهم: إن العقاب إذا كان لطفًا للمكلف فلابد أن يعرفه الله تعالى أنه يفعل به، وإلا كان مخلًا بواجب.

  وأجيب بالتزام قولكم في اللطف: أنه يجب أن يكون على أبلغ الوجوه.

  قال السيد مانكديم: لكن إذا كان ممكنًا، وهاهنا لا يمكن؛ لأنه لا حال للفاسق إلا وهو يجوز أن يتوب، فكيف يمكن تعريفه أنه يفعل به لا محالة؟ وإلا فيجب تعريفه أن توبته لا تقبل من الكبائر، ومعلوم أن هذا أبلغ في اللطف، فإن منعتموه لعدم إمكانه أي لوجوب قبول التوبة عقلًا فارضوا منا بمثله. إذا عرفت هذا فللخصوم أن يقولوا: قد ثبت جواز العفو عقلًا، إما قبل دخول العصاة النار، أو بعد دخولهم فيها، فالإجماع منعقد على أنه تعالى عفو، وقد وصف نفسه بذلك