تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}
  وتمدح به، وأجمعوا أيضًا على أن عفوه ليس في حق الكافر، بل في حق المؤمنين، إلا أنكم معاشر الوعيدية تقولون: هو عفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها، ونحن نقول: بل عن الصغائر كلها؛ واختلفنا في الكبائر. فمنا من قال: يعفو عنها كلها، ومنا من قال: يعفو عن بعضها، ومنا من قال: لا نقطع بالعفو عن الكبائر بلا توبة، بل تجوزه؛ ثم إذا رجعنا إلى تحقيق معنى العفو كان الحق معنا؛ وذلك أن العفو إنما هو ترك عقوبة المستحق للعذاب، وأنتم لا تقولون بالاستحقاق في غير صورة النزاع؛ إذ لا استحقاق بالصغائر أصلًا ولا بالكبائر بعد التوبة، فلم يبق إلا الكبائر قبل التوبة، فهو يعفو عنها بفضله وكرمه.
  والجواب: أنا لا نسلم جواز العفو عقلًا؛ لما مر، ولما ذكره في الأساس وشرحه لابن لقمان، وحاصله أن العفو عن المسيء الذي علم عدم إقلاعه ورجوعه عن الإساءة لا يحسن عقلًا؛ لأنه يكون إغراء بفعل القبيح، وهو قبيح؛ ألا ترى لو أن السلطان عرف من عبده الفاحشة مع حرمه وهو قادر على عقوبته، وعلم مع ذلك أنه لا يرتدع إن عفا عنه، بل يعود سريعًا فإن العفو عنه والحال هذه يكون قبيحًا، وما كان كذلك فلا يقال فيه: إنه يجوز ويحسن في العقل؛ ولا ريب أن أهل الكبائر لم يقلعوا عن المعصية، بل ماتوا مصرين عليها، فلو حسن العفو عنهم مع علم الله بعدم إقلاعهم لكان في ذلك إغراء لهم بالمعصية والإصرار عليها، وإقلاعهم في الآخرة عند معاينة العذاب وتوبتهم لا ينفعهم؛ لأن ذلك لم يكن لوجه القبح، بل لما نزل به