تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم ت
  وأما قوله تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ٧٣] فالمراد عند حصول ما يقتضي ذلك، كحال القتال وإظهارهم الاستخفاف بالله وبالإسلام ونحو ذلك ونحن لا نقول بحسن إلانة القول معهم على الإطلاق؛ ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ثلاث مراتب، فأولها بالقول اللين، ثم بالخشن، ثم بالضرب فما فوقه، فإذا اقتضى الحال الإغلاظ عليه وجب، وإلا فالواجب حسن القول معه.
  وأما قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النساء: ١٤٨] فيجوز أن يكون المراد منه كشف حال الظالم ليحذره الناس، كقوله: «اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس». وقيل في معناه غير هذا مما لا يصح معه الاستدلال به هنا، وسيأتي إن شاء الله.
  وأما دعوى النسخ فيجاب عنه بأن النسخ لا يثبت إلا بدليل، ولا دليل هنا. وذكر الرازي تفصيلًا منسوبًا لأهل التحقيق حاصله: أن كلام الناس مع الناس إن كان في الأمور الدينية فإما أن يكون في الدعاء إلى الإسلام وهو مع الكفار، وفي الدعاء إلى الطاعة وهو مع الفساق، فالأول لابد أن يكون بالقول الحسن؛ لأمر موسى وهارون $ بذلك، وكذلك أمر نبينا ÷ بذلك كما مر، وقال تعالى في أهل الكتاب: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت: ٤٦]، وقال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥].