المسألة الثالثة [الخطاب في الآية وسببه]
  أجاب العدلية بأنا لا نسلم أن المراد أن فاعلًا فعل بهم ذلك، وإنما جيء به مبنيًا للمفعول للدلالة على فرط ولوعهم بعبادته ومحبته، كما يقال: فلان معجب برأيه؛ سلمنا، فالمراد أن مزينًا زينه في قلوبهم ورغبهم فيه حتى تمكن حبه في قلوبهم، والمزين السامري وإبليس وجنوده من شياطين الإنس والجن؛ وليس هذا خروجًا عن الظاهر لغير دليل، بل للدلائل القطعية على أن العبد هو الموجد لفعله باختياره، وقد تقدم كثير من ذلك.
  قلت: ويجوز إسناد الإشراب إلى الله تعالى، جزاء على تماديهم في الكفر والعناد؛ ويدل عليه قوله: {بِكُفْرِهِمْ}، والمراد أنه تعالى خذلهم ومنعهم الألطاف؛ وهذا جائز على قواعد العدل، وقد نص على مثله غير واحد من أئمة العترة $ وغيرهم، كما مر في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧] وغيرها.
  قوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ٩٦}[البقرة]. يؤخذ منه أن لفظ بصير إذا أطلق في حق الله كان بمعنى عالم؛ لأن من الأعمال ما لا يصح أن يرى، وما لا تصح رؤيته لا يمكن تعلق الإدراك به إلا بمعنى العلم.
  قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ٩٨}[البقرة]. في الآية دليل على أن لجبريل وميكائيل ميزة في الفضل على سائر الملائكة، وإلا لم يكن لإفرادهما بالذكر فائدة. وتدل أيضًا على أن عداوة المذكورين كفر؛ لأن الأصل فإن الله عدو لهم، إلا أنه عدل إلى الإظهار للإيذان بكفرهم. والمراد بعداوة الله