مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعل

صفحة 3944 - الجزء 6

  والحاصل أنا نعلم أنه يستحيل منا فعل الأجسام مطلقًا وإن وجد ما وجد كما نعلم استحالة الجمع بين الضدين كذلك. وهذا الدليل هو الذي اعتمده الإمام المهدي. والجمهور يعتمدون في المسألة دليلًا آخر؛ قالوا: لو صح من جسم إحداث جسم آخر لصح منا؛ لأن كل جسم قادر بقدرة، والقدرة وإن اختلفت فمقدوراتها منحصرة متجانسة، كالخياطة والنجارة والبناء وما أشبه ذلك، وإنما انحصرت مقدوراتها وتجانست لكونها قدرًا، فكلما شاركها في كونها قدرًا وجب أن يشاركها في انحصار المقدور وتجانسه؛ والجسم ليس من مقدورات القدر. فيجب أن لا يقدر على فعله جسم آخر. وهذا الدليل مبني على خمسة أصول كما عرفت.

  واعلم أنه قد أورد على هذا الدليل من حيث هو اعتراضات:

  الأول: منع الحصار ما سوى الله في المتحيز والقائم بالمتحيز، فإن الفلاسفة يثبتون العقول والنفوس الفلكية والنفوس الناطقة، وزعموا أنها ليست بمتحيزة ولا قائمة بالمتحيز، ولا يستقيم دليلكم هذا إلا بعد بطلان هذا القول.

  فإن قيل: لو وجد موجود هكذا لكان مثلًا لله تعالى.

  قيل: لا نسلم ذلك؛ لأن الاشتراك في التجانس لا يقتضي الاشتراك في الماهية.

  والجواب: أن هذا الاعتراض لا معنى له؛ لوضوح بطلانه وحصول اليقين بتضعضع أركانه، فلا نطيل الكلام عليه، ولعلك تجد في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}⁣[البقرة: ٢٢] ما يرشدك إلى التفصيل.