مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعل

صفحة 3953 - الجزء 6

  التي نحن بصددها، وما جاء في أن حد الساحر القتل، إذ المباح لا يحد عليه. ولا أعلم خلافًا في تحريم تعلمه وتعليمه إذا كان للعمل به. وإنزال الضرر للخلق بسببه، فإن لم يكن لذلك فقال أهل المذهب: يجوز إذا كان للحذر منه، أو ليعرفه ولا يعمل به؛ ويدل عليه تعلم الملكين وتعليمه مع التحذير من العمل به بقولهم: إنما نحن فتنة.

  وقال الرازي: اتفق المحققون على أن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور؛ لأن العلم لذاته شريف ولعموم قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}⁣[الزمر: ٩]، ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجز، والعلم بكون المعجز معجزًا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب. قال: فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا كيف يكون حرامًا قبيحًا؟. وكلامه لا يخالف كلام أصحابنا؛ بدليل تعليله بالفرق بينه وبين المعجز وحكمه بوجوبه لذلك. وقال الغزالي بعد كلامه السابق ما لفظه: ومعرفة هذه الأسباب من حيث أنها معرفة ليست بمذمومة، ولكنها ليست تصلح إلا للإضرار بالخلق، والوسيلة إلى الشر شر، فكان ذلك هو السبب في كونه علمًا مذمومًا.

  وقال الزمخشري في الكشاف: الذي أنزل عليهما يعني الملكين هو علم السحر؛ ابتلاء من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرًا، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن يتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنًا. عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه كما ابتلى قوم طالوت بالنهر، فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني