تفسير قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعل
  الوجه الثالث: قوله حكاية عن الملكين: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}[البقرة: ١٠٢] أي لا تكفر بتعلم السحر. وهو ظاهر في كفر من تعلمه. وأجيب بأن ظاهر الآية النهي عن الكفر جملة، وقولهم: إن المعنى لا تكفر بتعلم السحر دعوى لا برهان عليها؛ سلمنا، فالمراد لا تكفر بتعلم السحر الذي هو كفر، وقد علمته(١) مما مر. ومما احتج به المعتزلة ما مر في المسألة التي قبل هذه من الأخبار الدالة على كفر الساحر، وفي معناها ما أخرجه ابن حزم بسنده إلى عبد الرزاق، عن إبراهيم ابن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم، قال: قال رسول الله ÷: «من تعلم السحر قليلًا أو كثيرًا كان آخر عهده من الله». وأجيب بأن هذه الأخبار مع كونها آحادية محمولة على ما هو كفر من السحر. والله أعلم.
  هذا، وأما القائلون بأن صاحب هذا النوع لا يكفر فعندهم أن الإكفار لا يكون إلا بقاطع، ولا قاطع في المسألة، وما ظنه الأولون قاطعًا قد عرفت ما فيه.
  قال أبو السعود: ولعل التحقيق أن ذلك الإنسان إن كان خيرًا متشرعًا في كل ما يأتي ويذر، وكان من يستعين به من الأرواح الخيرة، وكانت عزائمه ورقاه غير مخالفة لأحكام الشريعة الشريفة، ولم يكن فيما ظهر في يده من الخوارق ضرر شرعي لأحد فليس ذلك من قبيل السحر، وإن كان شريرًا غير متمسك بالشريعة الشريفة فظاهر أن من يستعين به من الأرواح الخبيثة الشريرة لا محالة، ضرورة
(١) وهو المجمع عليه. تمت مؤلف.