تفسير قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير 106}
  القول الرابع: أنه حقيقة في الإزالة، مجاز في النقل. وإليه ذهب أبو هاشم، وأبو الحسين، والرازي، وهو قول قاضي القضاة أخيرًا، واللباد من أصحابه؛ واحتجوا بأنه يقال: نسخت الشمس الظل إذا عدم؛ لأنه قد لا يحصل الظل في مكان آخر حتى يظن أنه قد انتقل إليه، وقال تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}[الحج: ٥٢] أي: يبطله ويزيله، والأصل في الإطلاق الحقيقة؛ وإذا ثبت أنه حقيقة في الإزالة وجب أن لا يكون حقيقة في النقل؛ دفعًا للاشتراك.
  دليل آخر: وهو أن أهل اللغة يستعملون لفظ النسخ في النقل، تشبيهًا بالإزالة، وذلك في قولهم: نسخت الكتاب من هذا اللوح إلى هذا الكاغد، بمعنى نقلته، تشبيهًا بما يزال عن موضعه؛ إذ ليس النقل حقيقة في ذلك قطعًا؛ لأن الكتاب باق في اللوح بحاله، لكن لما حصل مثله في مكان آخر جرى حصول مثله مجرى حصوله؛ وإذا كان مجازًا في هذا الاستعمال تعين كونه حقيقة في الإزالة مجازًا في النقل، هربًا من كثرة المجازات الحاصلة على تقدير كونه حقيقة في النقل مجازًا في الإزالة؛ لأنه حينئذٍ لا يكون حقيقة في جميع معاني النقل مع كونه مجازًا في الإزالة، فيكون مجازًا في معنيين بخلافِ ما إذا كان حقيقة في الإزالة، فإنه يكون مجازًا في معنى واحد، وهو النقل مطلقًا. وتحقيق الجواب أن يقال: لا نسلم أن معنى نسخت الكتاب نقلته؛ لأن النقل هو الإزالة، كما مر، وإنما استعملوه هنا تشبيهًا بالمنقول الحقيقي؛ لحصول مثله في مكان آخر، وذلك يدل على أنهم إنما استعملوا لفظ النسخ تجوزًا فيما يشبه النقل الحقيقي، لا أنه مجازٌ في النقل نفسه.