قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  من إمام المعقول والمسموع والشرع واللغة، وفيه دلالة من وجه آخر وهو أنه ألزمهم بطلان الثواب والعقاب، وقد ثبت أنهما يستحقان بما يستحق به المدح والذم، ومن المعلوم أن الثواب والعقاب لا يستحقان إلا على الأفعال الاختيارية، وفيه دلالة من وجه آخر أيضاً وهو أنه قال فيه: ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن، وفي رواية: ولما كان محمدة المحسن ولا مذمة لمسيء، وفي هذا أيضاً دلالة على الترادف لأنه قابل الحمد بالذم.
  الثاني: أن الزمخشري وهو من أئمة اللغة قال في تفسير سورةرالحجرات ما لفظه: إن كل ذي لب وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبي عليه أن الرجل لا يمدح بغير فعله، ثم قال: فإن قلت: فإنَّ العرب تمدح بالجمال وحسن الوجوه، وذلك فعل الله وهو مدح مقبول عند الناس غير مردود.
  قلت: الذي سوغ ذلك لهم أنهم رأوا حسن الرؤى ووسامة المنظر في الغالب يسفر عن مخبر مرضي وأخلاق محمودة، ومن ثم قالوا: أحسن ما في الذميم(١) وجهه، فلم يجعلوه من صفات المدح لذاته، ولكن لدلالته على غيره، على أن من محققة الثقات وعلماء المعاني من دفع صحة ذلك، وخطأ المادح به، وقصر المدح على النعت بأمهات الخير، وهي الفصاحة، والشجاعة، والعدل، والعفة، وما يتشعب منها ويرجع إليها، وجعل الوصف بالجمال، والثروة، وكثرة
(١) الذميم القبيح. تمت مؤلف.