قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  الجواب: أن هذه الحجة لا تصح إلا لو ثبت أن غير الباري تعالى لا يحسن إلى أحد إلا لأحد هذه الأسباب، والمعلوم خلافه فإنه قد يوجد الإنعام على من لا يحصل منه عوض البتة، وممن لا يطلب بإحسانه عوضاً، ألا ترى أن الملحد قد يستحسن إنقاذ الدابة من الغرق وإن كانت في فلاة لا مالك لها يقدر منه الثناء والمجازاة وهو مع إلحاده لا يحتسب ثواب الآخرة، ثم إن إرادة العوض لا تمنع تسميته محسناً ومنعماً لحصول حقيقة الإحسان والنعمة في فعله كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
  احتجوا ثالثاً بقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣]، والحمد لا معنى له إلا الثناء على الإنعام فإذا كان لا إنعام إلا من الله ثبت أنه لا يستحق الحمد إلا الله.
  والجواب: لا نسلم أن الحمد لا يكون إلا على الإنعام لما مر؛ سلمنا، فالآية واردة مورد المبالغة والمجاز لأنه لما كانت الأسباب التي يتوصل بها إلى إنعام العبد على غيره من الله صارت النعمة كأنها من الله، ونقول: إن الله يستحق الحمد عليها من هذه الجهة، وأما الاختصاص فلا يصح إلا لو لم يكن من الغير إنعام البتة، وليس كذلك.
  احتجوا رابعاً بأن النعمة لا تكون كاملة إلا بأمرين:
  أحدهما: أن تكون منفعة، والانتفاع مشروط بكون المنتفع حياً مدركاً، وذلك لا يحصل إلا بإيجاد الله.
  الثاني: أن المنفعة لا تكون نعمة كاملة إلا إذا خلت عن شوائب الضرر، وخوف الانقطاع، وذلك لا يحصل إلا من الله.