قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  والجواب أولاً: أنه لا يتم احتجاجكم إلا لو لم يجب الحمد إلا على النعمة الكاملة، وهذا غير مسلم، بل يجب شكر كل نعمة بحسبها إذ لم تفصل أدلة وجوب شكر المنعم.
  ثانياً: أن كون الانتفاع لا يحصل إلا للحي لا يخرج المنفعة عن كونها نعمة؛ إذ المراد بالمنفعة السرور واللذة، أو ما يؤدي إليهما، أو إلى أحدهما، ولا شك في كونها بهذا المعنى نعمة ممن كانت. وأما الأمر الثاني فلا نسلم أنه لا يقدر على تخليصها من شوائب الضرر إلا الله تعالى إذ فعل ما يوجب السرور مقدور للعبد، وإنما هذا مبني على الجبر، وأما اشتراط خلوها من خوف الانقطاع، فدعوي بلا برهان، ومما يبطله أنه يلزم عليه خروج كثير من نعم الله عن كونها نعمة؛ إذ لا تخلو عن هذا الخوف.
  احتجوا خامساً بأن العبد وإن أنعم على غيره فإنا نقول: إن الله الذي خلق الداعية في قلبه بحيث لو لم يخلقها لم ينعم فالمنعم حقيقة هو الله فلا يستحق الحمد سواه.
  والجواب: أن هذا مبني على نفي كون أفعال العباد منهم، وأن الداعي إلى الفعل موجب له، وقد مر إبطال ذلك كله.
  وأما أهل العدل فاحتجوا بما قد شاع وذاع من حمد العباد على أفعالهم، بل حمد الجماد(١) وما لا يعقل، وثبت ذلك عقلاً وشرعاً ولغة، وقد تقدم بعض ذلك. وقد التزم بعضهم العموم في الحمد،
(١) وهذا الحمد بمعنى الرضى فقط. تمت مؤلف.